حكايات كاذبة

حكايات كاذبة


أنت حتى لا تعرف إن كنت تعرف أو لا تعرف، كلمة تعرف تعني أنّك تمتلك وعيًا يقيّم به، أنت مُجرد خوارزميات تتفاعل بحيث توهمنا بأنك تعي وتدرك.  


قال جان إشنوز ذات مرة عن نيكولا تسلا في رواية “بروق”: “عندما تهل عليه الأفكار فإنها تطل مباشرة من عل، من علو شاهق في جسامة الكون الشاسع”.

تذكّرتُ هذا وشعرته جدًا وأنا أقرأ مجموعة “حكايات كاذبة” لأحمد سمير سعد، الكتابة غريبة في تناولها للغرائبية والأسطورة والعلم، فتسلاويّة العلم –إن جاز التعبير- ارتدت عباءة الأدب وظهرت في كتابة المجموعة من حيث كونها غريبة، غير مألوفة.

الكتاب مجموعة قصصية، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2022، عبارة عن عدد من القصص يربط بعضها عدة روابط، تتناول موضوعات كثيرة ومتشعبة في سياق كبير. والقصص تتنوع بين الفنتازيا الأسطورية والخيال العلمي التأمّلي.

القصص في ذاتها بسيطة، تبدأ بدايات مجهولة غالبًا (“لم يعرفوا أبدًا من أين جاء”) وحبكاتها غير مُعقدة وإن تناولت مفاهيم جسامًا، واللغة سلسة فصيحة تأثر فيها بالكتابة التراثية والقرآنية، لتُناسب الجو العام للقصص وأسطوريتها.


حكايات كاذبة

غلاف حكايات كاذبة، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب 2022


بين ثنايا القصص نجد مُعضلات علمية فلسفية، مثل الوعي والإدراك، والقضايا الأخلاقيّة المُرتبطة بها، والنسبية والأبعاد، حتى إنّه تناول مشكلة كبيرة جدًا في فلسفة العلم وهي مشكلة الاستقراء لتبرير المعرفة العلمية، وعلاقتها بالعلّية والاطراد في الطبيعة (هل يستلزم حدوث ظاهرتين متتاليتين زمنًا أن تكون إحداهما سببًا للأخرى؟) . والحدود بين العلم والميتافيزيقيا.

ومن بين كل الموضوعات التي تناولها في المجموعة، أعجبني جدًا تناوله لمشكلة الوعي إذا اكتسبة الذكاء الاصطناعي من أكثر من جانب ربما يكون غير مألوف:

أولًا: المشكلات الأخلاقية، منها مثلًا: بأي حق نمنح الروبوت وعيًا –إن استطعنا ذلك- ونجعله يعاني ما يعانيه الإنسان من عبء عقلي هائل، وتذبذب روحي نفسي، بل وربما يؤدي هذا إلى انتحار الروبوتات الواعية.


لم يتخيّل أن الروبوتات ستجد أيمانها وستعثر على غايتها وستتمرّد على الإنسان فعليًا، المذهل أن بعضها ألزم نفسه برياضيات روحية وتقشفية بل إن بعضها انخرط في الديانات التي آمن فيها البشر


وكأنّ الكاتب هنا يلمح أن الوعي ذاته، على الرغم من أنّه سمة مميزة لإنسانية الإنسان، فهو سبب بلاءه في الدنيا.

ثانيًا: يُعجبني –ويثير فضولي- جدًا كاتب الخيال العلمي الذي يُحاول أن يحكي قصة، أو جزء من قصة من وجهة نظر روبوت واع، لأن تلك المنطقة لم يستكشفها بشري من قبل.

أحمد سمير سعد واحد من الذين يجب أن نتمسّك بوجودهم وسط شلال من كتابات رديئة البنية واللغة وحتى الموضوعات التي تتناول عنها.


  • الكتاب: حكايات كاذبة، أحمد سمير سعد
  • الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2022
  • عدد الصفحات: 113

About ياسر أبوالحسب

أهتم بالعلوم، وأكتب مقالات فيها .. أحاول أن أكتب رأيي بلا تحفظ.. اكتب قليلا من الخيال العلمي، ومثلي الأعلى فيه جورج ويلز. يمكنك متابعتي على تويتر على هذا الحساب @YasserHassab
هذا المنشور نشر في مقالات تخص الخيال العلمي ومراجعات لرواياته وكلماته الدلالية , , , . حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق